مشهد قد تكرر من قبل ، ينتابك شعور غريب بأنك عشت هذا المشهد كله
و بكامل حذافيره قبلا ، متى.. أين …كيف ؟ و هل فعلا عشته أهو حلم ، أم حقيقة ؟؟ و لكن كيف يحدث ، أأنا بحالة دوار أم لأني متعب قليلا ؟ لا لست متعبا ربما فقدت توازني … عقلي .. أم أنا واهم ….. تساؤلات تجتاحك لومضات للحظات و من ثم تعود لصوابك و لكامل وعيك و تفاعلك مع ما يدور حولك بشكل طبيعي جدا . و لتعلم بأن ما حدث لك ليس جنونا أو مرضا أو خللا في دماغك أو ذاكرتك !! و لست مصابا ب” انفصام شخصي ” … هو فقط ترجمان لظاهرة ” قد حدث سابقا ” أو ما بسمى بالفرنسية ” deja vu ” و بالانكليزية ” ALready seen ” البعض تحدث معه يوميا و البعض قليلا من فترة لأخرى – و أنا منهم – و اخرون حدثت مرة أو مرتين في حياتهم ، و منهم لم تحدث قط ، فما هذه الظاهرة ؟ و هل تفسيرها غريب بقدر غرابتها ؟؟ في الواقع بأنه رغم كل ما نشهده من تطورات في مختلف المجالات و العلوم ، و تفسير لأغلب الظواهر التي تجتاح عالمنا ، الا أن هذه ظاهرة ما زالت ملحّفة بكمّ من التساؤلات ، مثقولة بالاستفهامات و الفرضيات المختلفة ، فقد ربطها بعض العلماء بتأخر وصول الرسائل العصبية الى مركز الادراك و المعرفة ( Cognitive center ) ووصولها الى مركز الصورة فقط في بادئ الامر ، أي أننا نرى صورة رجل مثلا و لكن لم ندرك ما هو مجرد وصول الصورة دون معانيها و لكن حين تصل فعلا الى مركز الذي يعطيك المعلومات بأن الصورة التي نراها هي صورة رجل و بأنه كذا و كذا …. فهذا الفارق في الوقت يعطيك الاحساس بأنك قد رأيت هذه الصورة أو هذا المشهد من قبل و لكن فعليا قد رأيته قبل لحظات فقط أي قبل أن تدركه ليس أكثر . و فسرها اخرون بحدوث خلل فبدل ان تصل الرسائل الى الذاكرة القصيرة المدى فانها تصل الى الذاكرة طويلة المدى ( التي تحتفظ باﻷحداث القديمة ) فتتوهم بأنك عشت هذا الحدث قبلا في الماضي . ولكن ظاهرة الديجافو لا تعطي الاحساس برؤية الشيء من قبل فقط ، بل بأن المشهد كله قد مرّ بك من قبل لذا اعتمد بعض العلماء لتقسيمه الا ( تم رؤيته قبلا ، تم الشعور به قبلا ، و تم زيارته قبلا ) ( Deja vu , deja senti , et deja visite ) مثلا تتحدّث أنت و صاحبك و فجأة تشعر بأنك قد مررت بهذه اللحظة التي فيها صاحبك أمامك و هو يقول كذا أو يفعل كذا مسك يدك ضربك … في هذا المكان ..كله نفس التفاصيل قد مررت بها قبلا .. أي أنها لا تقتصر على حاسة النظر فقط وهذا ما أدى الى فشل نظرية فسرها أصحابها بتأخر وصول الرسائل الى عين قبل عين ، مما يعطي الاحساس بأنك قد شاهدت هذا المشهد من قبل ، و لكن اذا كان الانسان فاقد لاحدى عينيه ؟؟؟؟ فقدت هذه النظرية أهميتها . نظرية ورود الاحداث و الرسائل الى عين قبل أخرى فشلت وذلك لأن ظاهرة الديجافو تحدث مع انسان أعور ، و لكن تفتح مجال لتفسير اخر و هي فرق الوقت في تلقي المعلومات بين شقي المخ الأيمن و الأيسر … فسرها آخرون بجذوذ الذاكرة ، بخطأ وصول الرسائل العصبية ، برغبة في اعادة بعض الأحداث … و فرضيات و نظريات أخرى كثيرة جدا . منهم من حاول ربطها بالأمراض كالانفصام الشخصي و لكن فشلوا فلا علاقة لها بالامراض ، منهم من وجد بأن لها علاقة بمادة الدوبامين في الجسد ( Transmetteur du message وذلك في دراسة أجريت عام 2002 على رجل كان يأخذ اكثر من نوع دواء معا لعلاج الانفلونزا ، فلاحظوا بأنه زادت الديجافو عنده التي أرجعوها لزيادة مادة الدوبامين عنده . و لكن كلها مجرد فرضيات . أما علماء ما وراء الطبيعة فتفسيرهم مختلف تماما فبعضهم من يرجعها ” للتقمص ” و ما تبقيه من ذكرايات و اثر في الجسد الجديد … و كثيرون من يقولون بأن كل ما يحدث هو نتيجة رؤية الانسان و هو جنين في داخل بطن أمه لمراحل حياته كلّها ، و الله أعلم . عندما تنتابك الديجافو ثم تتأكد بأنها هذه المرة الاولى التي يحدث معك هذا المشهد وبأن الشعور الذي انتابك لا يمت الى الحقيقة بصلة ففورا تقول في نفسك ربما مررت في هذا الحدث في ” المنام ” ، نرمي كل المجهول الى عالم اللاوعي الى عالم الأحلام فغرابته وسعته من شأنها أن تسع وتحتضن أي جواب لسؤال لم نجد له جوابا في الواقع و في الوعي و الملموس ، و خاصة اذا مررت في مكان لأول مرة تزوره و يأتيك شعور بأنك قد زرته قبلا ، فتقول ربما زرته في الحلم … ولكن حتى تفسير الديجافو بالأحلام تبقى مجرد فرضية كغيرها . و أخيرا نعرض ما قاله علماء ما وراء النفس ( باراسيكولوجي ) في الديجافو ؛ الذين رأووا بأنها جزء من الحاسة السادسة بحيث استطاع الانسان التنبؤ قبل لحظات بما سيحدث فما ان حصل فعلا حتى شعر بأنه قد عاشه قبلا ، و جاءه احساس باعادة المشهد من قبل . ان ظاهرة الديجافو هي ظاهرة طبيعية جدا و لا ارتباط لها بالأمراض و تحدث مع كثيرين ، و لكن بعضهم تحدث معهم بشكل أغرب مما عرضنا ؛ فمنهم من يصابه عندها دوار أو الاحساس بالتقيؤ أو الغياب عن الوعي ، و منهم من يشعر بقشعريرة في جسده ، و بعضهم بعد الديجافو يأته أحساس بما سيحدث باللحظات المقبلة القليلة ….ولكنها حالات قليلة جدا ، و لها تفسيرات أخرى و مواضيع أخرى . أما ظاهرة الديجافو فهي ببساطة حدوثها ” شعورك بأنك عشت هذه اللحظات قبلا ” فقط الا أنها تفسيراتها بحر واسع و فرضيات كثيرة قد عرضنا ما تيسّر منها . من الممكن أن تحدث معك الديجافو و تشعر بأن الاحداث عشتها قبلا ،
و لكن حبّذا لو تنتابنا الديجافو في لحظاتنا المميزة لنشعر بتكرار تلك الثواني التي تخطف الانفاس و تغمرنا بسعادتها و تبقينا أسرى الذكرى الجميلة في أحضانها ، على شطآن كفّيها ، في قلبها …