عندما اتخذت «الرابطة الثقافية في طرابلس» قرارها بتنظيم معرض الكتاب السنوي الأربعين
في «معرض رشيد كرامي الدولي»، كانت تعلم بأنها تخوض مغامرة من العيار الثقيل، خصوصا أن الفلتان الأمني كان بلغ مداه في أنحاء المدينة، وأن الاستعدادات كانت تسير على قدم وساق لاطلاق جولة العنف الـ 20 على المحاور الساخنة.
لكن الرابطة أصرّت على المواجهة، ودخلت في تحد كبير جدا مع نفسها قبل أن تدخل مع المشاركين، وأعلنت بما تمثل من نسيج طرابلسي رافض لما تشهده المدينة، أنها ماضية في تظاهرتها الثقافية السنوية لترد على التحريض والشحن والفلتان، بالتلاقي والحوار والانفتاح. وجدت إدارة الرابطة، التي انتخبت حديثاً برئاسة الزميل رامز الفري صعوبة بالغة في إقناع دور النشر والمؤسسات التكنولوجية والثقافية والمؤسسات التربوية في المشاركة بالمعرض، فقدمت تسهيلات عدة، متجاوزة إمكاناتها الضعيفة، وداعية كل هؤلاء الى خوض معركة الدفاع عن طرابلس، وإعلان إرادة الحياة في وجه إرادة الموت.
مع انطلاق الجولة الـ 20 التي استمرت 18 يوما، بدأت طلبات الاعتذار عن المشاركة تنهال على إدارة الرابطة، خصوصا بعد أن تبين أن الجولة طويلة ومن دون أفق، وفي غمرة اليأس لاحت في أفق المدينة الخطة الأمنية التي أعادت الطمأنينة إلى ربوع طرابلس، فسارعت إدارة الرابطة الى وصل ما انقطع مع كثير من العارضين والتأكيد أن الأمور في طرابلس ستسير على ما يرام، الأمر الذي شجع كثيرا من المؤسسات على التخلي عن حذرها وإعلان مشاركتها في معرض الكتاب الأربعين.
انطلقت الخطة الأمنية في طرابلس، وانطلق معها معرض الكتاب الأربعون متزامنا مع سلسلة من النشاطات والأمسيات، وخرجت طرابلس من سجن العنف والاقتتال إلى رحاب الثقافة والفكر، وتلاقى أبناء المدينة في ظل الكتاب والعلم والتكنولوجيا، فتحول المعرض إلى متنفس لكل أبناء طرابلس، وأبناء الأقضية الشمالية والمناطق اللبنانية الذين وجدوا في المعرض فرصة لعودة التواصل مع طرابلس التي هجروها قسراً بفعل التوترات الأمنية المتكررة.
شكل المعرض الذي افتتح برعاية الرئيس نجيب ميقاتي، أولى بوادر عودة الحياة إلى طبيعتها في الفيحاء، وكان حاضنة لكل أطياف المجتمع اللبناني، حيث سجل على مدار عشرة أيام دخول عشرات الآلاف من المهتمين والرواد، كما استقطبت النشاطات المواكبة مثلهم.
ويؤكد المشرف العام على جمعية العزم والسعادة الدكتور عبد الاله ميقاتي أن الاصرار على تنظيم معرض الكتاب لهذا العام، يعكس مدى أهمية الرسالة الثقافية، التي تحمل مشعلها الرابطة في مدينة العلم والعلماء، مدينة الثقافة والمعرفة، من دون أن تتأثر بمجريات الأحداث الأمنية والسياسية، التي غالبا ما تنعكس بصورة سلبية على أي نشاط ثقافي أو معرفي.
وأمل ميقاتي أن تسترد هذه المدينة هويتها الثقافية، فتشهد معارضها للكتاب، كماً كبيراً من دور النشر في لبنان وفي جميع الدول العربية.
ويشير الفري إلى أن المعرض الأربعين يشكل مهرجانا للثقافة والحرية والابداع، وهو تظاهرة اقتصادية، اجتماعية، راقية، نأمل من خلالها المساهمة في تحريك عجلة الدورة الاقتصادية الراكدة في طرابلس والشمال.