تعتبر الرابطة الثقافية في طرابلس أحد أبرز الصروح الثقافية التي استطاعت إبان الحرب، وفي اصعب الظروف التي مر بها الوطن، ومدينة طرابلس بشكل خاص، ان تكون محور الحراك الثقافي في المدينة، فمن معرض الكتاب الذي تحول الى عرس ثقافي، الى استضافة مئات الفرق المسرحية، ورعاية اهم الفعاليات ليس في لبنان فحسب، لا بل في العالم… الى تأسيس مكتبة عامة تضم آلاف الكتب.
باختصار الرابطة الثقافية هي وجه طرابلس الثقافي والحضاري الذي ينبض بالحياة.
“حدث اونلاين” زارت رئيس الرابطة الدكتور رامز الفري في مكتبه بطرابلس وكان حوار حول تاريخ تأسيس الرابطة والرؤية والاهداف، والبعد السياسي والاجتماعي وآفاق المستقبل.
مدخل الرابطة الثقافية
البدايات
في سرد لتاريخ الرابطة، يذكر الفري انها “ولدت مع بزوغ فجر الاستقلال عام 1943، عندما تداعى مجموعة من طلاب دار التربية والتعليم الاسلامية في طرابلس بطاقات عارمة وطموحة، كانت وقود الاندفاعة الطلابية الحالمة بالمستقبل لتأليف جمعية طلابية تترجم بالعمل المنظم والإدارة المشتركة في العمل من أجل الحرية والتقدم، فكانت ولادة الرابطة الثقافية عام 1943م والتي نالت الترخيص الرسمي عام 1944 تحت رقم 226 تاريخ 11/3/1944.”
الأهداف
ويلفت الفري إلى ان الرابطة “تأسست وهي تحمل أهدافًا واضحة ثقافية واجتماعية وتنموية وتربوية ورياضية، وفي ظل هذه الأهداف العريضة، شكلت حضورًا ثقافيًا مميزًا طوال سنوات. وكانت خطوات الرابطة في البداية متواضعة ولكنها انتهت بنقلة نوعية كبيرة، حين تم شراء عقار في بساتين طرابلس بأموال كانت تبرعًا من رئيس الوزراء الراحل رياض الصلح، حيث شيد بناء الرابطة الحالي على مراحل اتسمت بالصبر والعناد.”
مسرح الرابطة بعد اعادة التأهيل
مسرح الرابطة
وفي ستينات القرن الماضي، يتابع الفري: “بدأت مرحلة مميزة من تاريخ الرابطة، عندما سعت إدارتها لاستكمال البناء الذي توقف فترة من الزمن، وكان للمرحوم القاضي أمين الرافعي رئيس الرابطة في تلك الفترة، وعدد من الرابطيين الأثر الكبير في عملية النهوض والتقدم الذي شهدته الرابطة، فتوسع البناء الصغير إلى أن ضم قاعة المسرح الكبير أولاً ومن ثم في السبعينات استكملت بالمقاعد الحديثة وبخشبة مسرح فنية متميزة”.
المفتي محمد امام متوسطا الفري وتوفيق دبوسي خلال افتتاح المعرض
معرض الكتاب السنوي
بالنسبة إلى معرض الكتاب، يشير الفري إلى أنه “في العام 1974 وبمبادرة من رئيس الرابطة الثقافية المحامي حسين ضناوي والذي كان في تلك الفترة رئيسًا للجنة الثقافية. أنشئ معرض الكتاب السنوي ، والتي كانت بدايته متواضعة تمثلت بالتعاون مع النادي الثقافي العربي في بيروت الذي كان ينظم معرضًا سنويًا للكتاب فتم نقل جزء كبير من معروضات الكتب الى معرض الرابطة، وكانت الكتب فقط للعرض. وفي السنوات التالية تحول المعرض إلى بيع للكتب على مسؤولية الرابطة ودون اشتراك مباشر من دور النشر، وفي العام 1976 تم التعاون مع ممثلي دور النشر في طرابلس وكان في طليعتهم الأستاذ ناصر جروس الذي كان يمثل عددًا كبير من دور النشر ومكتبات المدينة، وهنا بدأت المرحلة الحقيقية لمعرض الكتاب السنوي للرابطة الثقافية الذي استمر حتى اليوم ولم يتوقف رغم كل الصعاب و الظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تعرضت لها مدينة طرابلس.”
العمل السياسي والاجتماعي
ويكمل الفري قائلاً :”لم يقتصر دور الرابطة على محور واحد متمثل بالثقافة والفكر، بل كان للعمل محور آخر وهو المحور الرئيسي في العمل الاجتماعي والسياسي في طرابلس وخاصة بعد أن اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية.
وما يميز الرابطة الثقافية في تكوينها أنها بيت متعدد النوافذ فهو يطل على كافة الاتجاهات. وهذه الحيادية الإيجابية في منهج عمل الرابطة، أتاحت لها أن تلعب دورًا رياديًا وخطيرًا في حياة المدينة على كافة الأصعدة وخاصة خلال الحرب الأهلية التي هددت الوطن بكامله بالتشرذم والضياع، فهي كانت في طليعة المؤسسات الاجتماعية والنقابية والعمالية والجمعيات الاجتماعية والثقافية والصحية التي سعت بتعاونها ووحدة إرادتها لتشكيل التجمع الوطني للعمل الاجتماعي في طرابلس والذي ضم نقابات المهن الحرة، المحامين والمهندسين والأطباء والصيادلة واتحاد نقابات العمال مجتمعًا والنقابات العمالية ونقابة أرباب العمل والجمعيات الثقافية والصحية والاجتماعية والرياضية بحيث وصلت الجمعيات التي اشتركت في التجمع إلى إثنتين وسبعين مؤسسة. وكانت الرابطة الثقافية هي المكان الذي رعى التجمع وكذلك كانت قيادة الرابطة ولمدة طويلة في قيادة التجمع الوطني، وقد قدمت الرابطة كل إمكانياتها لنشاط التجمع ولجانه, والمؤتمرات التي عقدت من أجل حماية طرابلس والشمال . وقد كان رئيس الرابطة المراحل المهندس رشيد جمالي ولفترة طويلة أمينًا عامًا للتجمع كما كان عضو الهيئة الإدارية في الرابطة المحامي حسين ضناوي عضوًا دائمًا في الأمانة العامة حتى انتهاء دور التجمع في العام 1994.
كما كانت الرابطة الثقافية تستقبل نشاطات ومهرجانات الأحزاب السياسية والمقاومة الفلسطينية التي كانت فاعلة على الساحة الطرابلسية في تلك الحقبة.”
المكتبة العامة
بالنسبة للمكتبة العامة، يشدد الفري على انها “كانت الحلم الكبير للرابطيين. وكان التحدي الكبير في إنشاء تلك المكتبة يتمثل بالقرار الجريء الذي اتخذه أعضاء الهيئة الإدارية بتوقيع سندات ضمان على مسؤوليتهم كتكاليف لتأمين قرض يكفل تغطية نفقات البناء، وقد دعم هذه المسيرة عدد كبير من أبناء طرابلس بسخاء لادراكهم لأهمية هذا المشروع الثقافي الهام والضروري لمدينة طرابلس وفي أيار 1993 تم افتتاح مكتبة الرابطة الثقافية الكبرى بعد أربع سنوات استغرقتها أعمال البناء والتجهيز وشغلت المكتبة مع ملحقاتها 1200م2 من بناء الرابطة التي تبلغ مساحته ما يقارب 5000م2.”
جائزة طرابلس للأدب والفنون والعلوم ..
يذكر الفري انه “في العام 1996 رعت الرابطة الثقافية ودعمت إنشاء مؤسسة مستقلة هي جائزة طرابلس للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، حيث دعمت هذه الجائزة الإنتاج غير المنشور من رواية قصيرة وقصة قصيرة وشعر وفنون تشكيلية وأبحاث اجتماعية مختلفة.”
نهضة شبابية وتحديثية
ويردف الفري: “في العام 2013 انتخبت لمركز رئاسة الرابطة الثقافية بعد انتهاء ولاية الرئيس امين عويضة وبالتعاون مع مجموعة من الشباب والشابات في الهيئة الإدارية وخارجها عملنا على ورشة عمل داخلية تحديثية على كافة الصعد. بدأت بالحفاظ والاستمرار بما هو قائم: فالحفاظ على معرض الكتاب السنوي كان تحديًا كبيرًا خاصة مع جولات الاقتتال العبثية التي اندلعت في تلك السنوات والتي وصلت إلى 22 جولة شلت المدينة وهجرت تجارها ومؤسساتها وشبابها. وفي المرحلة الثانية تمثلت في العمل على إعادة صيانة المبنى وفي مقدمته إعادة تأهيل الواجهة الامامية للمبنى و قاعة المسرح في العام 2015 بدعم من جمعية العزم والسعادة الاجتماعية ذلك المسرح الذي كان قد مضى على تأسيسه أكثر من أربعين عامًا، وأصبح بحاجة ماسة إلى إعادة التأهيل . وقد بات اليوم أحد أهم المسارح على صعيد لبنان، وفي العام 2018 أعيد تأهيل وتجهيز قاعة المؤتمرات والمعارض الكبرى بكل ما يلزم من تجهيزات وتقنيات.”
ويتابع: “كما تم العمل على تأهيل الطابق الأخير والذي يضم أربع قاعات تستعمل الآن لدورات تقوية لطلاب صفوف الشهادات الرسمية. وأطلق نادي الرسم ونادي الرياضة ونادي الشطرنج ونادي الموسيقى، وتم تأسيس أوركسترا الرابطة الثقافية بقيادة المايسترو وليد عزمي الواوي والمايسترو خالد العبد الله.
إضافة إلى انشاء مركز الدعم المدرسي ونادي السينما الذي تم تجهيزه بمعدات متخصصة لعرض الأفلام السينمائية مما ساهم باستضافة مهرجان طرابلس للأفلام كل عام.
كما جرى العمل على دعم المكتبة العامة وتزويدها بكل جديد حيث أصبح عدد الكتب فيها اليوم أكثر من ثمانين ألف كتاب موزعين على كافة المواضيع، وباللغات العربية و الفرنسية والإنكليزية والألمانية والروسية والأندونيسية، والعمل جارٍ على إنشاء جناح خاص للكتب التركية.
كما تم تجهيز مكتبة خاصة للأطفال وذلك لتشجيعهم على المطالعة منذ الصغر.
ومنذ سنتين تم تجهيز قطعة أرض ملاصقة للرابطة ومن أملاكها الخاصة لاستخدامها مرأباً للسيارات وذلك تسهيلاً للضيوف خاصة إذا كانوا من خارج المدينة.”
على الصعيد السياسي والاجتماعي
وبعد تجميد النشاط السياسي والحزبي في الرابطة منذ عام 2008 بسبب جولات العنف التي كانت تدار في المدينة، وبسبب الانقسام العامودي بين التيارات السياسية اللبنانية، لفت الفري إلى أن الرابطة “فتحت أبوابها مع انطلاقة ثورة 17 تشرين لكافة الفعاليات والهيئات السياسية والحزبية والثورية ومؤسسات المجتمع المدني دون تمييز ومع الحفاظ على مسافة واحدة من الجميع، وتمثل ذلك في الانتخابات النيابية الأخيرة حيث كانت الرابطة المساحة الحرة في المدينة والتي استطاع أي طرف أن يعبر عن رأيه من خلالها وعلى منبرها بكل حرية وديمقراطية وتمثل ذلك بإعلان عشرات المرشحين ترشحهم من الرابطة اضافة الى اطلاق عدة لوائح انتخابية منها أيضًا، كما لعبت دورًا وفاقيًا جامعًا بين مختلف شرائح المجتمع الطرابلسي والشمالي خاصة واللبناني عامة.”
كلمة اخيرة
في الختام، أكد الفري أنه “إذا كانت في البدء الكلمة، فالرابطة الثقافية في طرابلس هي الكلمة وهي التعبير الصادق عن الإرادة القوية والإخلاص والاستمرارية، هكذا كانت وستبقى”..
وقال: “سنبقى نعمل كل مابوسعنا لنؤكد ان الرابطة الثقافية هي ارض جوار ومحبة، أرض استقلال وكرامة، نعرف الثقافة فكرا وشرفا ، فلا قيمة للثقافة بدون شرف الثقافة والمثقف، نعرفها بناء للفكر والعلم تعزيزا للحس الانساني الموصول بالمجتمع، فلا قيمة لمثقف ليس مغروزاً في المجتمع والى الأعماق، ليكون النبض والقلب والفعل لهذا المجتمع.
وعد قطعناه على أنفسنا… أيدينا ممدودة للجميع، فنحن لسنا طرفًا في صراع محلي أو إقليمي، نحن أبناء الوطن وهمنا هموم الوطن الكبرى وأولوياتنا مدينتنا طرابلس الفيحاء وأداتنا الفكر والثقافة والقلم واللحن والصوت والصورة.”
خاص- حدث أونلاين
المحرر الثقافي